إمبراطور الفشل
في كل مجالات العمل على وجه الأرض لا بد أن يخرج منها أباطرة الفشل ويمتازون بإصرار منقطع النظير في إمتهان الفشل في كل مرة يقعون ضحية قوقعة صغيرة داخل جمجمة هشة ، لا يتعلمون ولا يسعون للتطور ولا تغنيهم كثرة الأخطاء الا ثبورا وويلات ويقفون بكل شموخ ليقولوا للجمهور ( نحن من صنع هذا الفشل .. تصفيق ) الجدير بالذكر في هذه الحالات يجب أن تعرض قوقعتهم بعد الوفاة الى التشريح لكي نتعلم كيفية عمل هذه القوقعات المسماة علميا بالدماغ ، رغم أن الفشل نقطة انطلاق لصناعة نجاحات بالنسبة للعقلاء والمفكرين والعلماء أمر طبيعي ولكن الغير ممكن تجاوزه هنا امتهان الفشل وفخر الصناعة الفاشلة والنشوة المزيفة يتملك هؤلاء الأجناس بشكل يستدعي البحث في سبل معيشتهم وإلى أي مملكة من مملكات الحياة الفطرية ينتمون ، صاحب القوقعة يعيش في برج عاجي من نجاح مزعوم لشهرته بالفشل المتراكم والمركب الذي يضفي صفة الخصوصية له ويتفرد في منزلته كشخصية فاشلة ليس لها مثيل .
إنه إدوارد ديفيس أو كما إشتهر ب" إد وود " المخرج الأمريكي والكاتب والمؤلف والمحرر والممثل والمنتج ( ماتحس انك قريت في البايو شي شبيه له ) ولد في سنة ١٩٢٤ م وتوفي في سنة ١٩٧٨م إشتهر هذا الرجل بأفلامه الفاشلة وذات التكلفة المنخفضة المليئة بالأخطاء التقنية القاتلة لمسيرته الفنية الفاشلة من مؤثرات صوتية رديئة وبسيطة وطريقة إخراجه المميزة والغير مفهومة لسوء دمج اللقطات وتقطيعها وكتابة حوارات ركيكة جداً بل تعد من أسوأ الحوارات على الإطلاق وكذلك إختياراته لأسوأ الممثلين غريبي الأطوار والسقوط دائما في ركاكة الحبكة الدرامية المفتعلة الغريبة والفاشلة دائما ( الرجال صامل ) ولكن في المشاهد الاستعراضية أعطت المخرج إد نجاحا مقبولا في ذلك الوقت ، هذا المخرج الغريب الأطوار كان يعتمد على ممثل يدعى بيلا لوغوسي في ظهوره المتكرر في أعماله الفاشلة ، لك أن تتخيل أن يجتمع مخرج فاشل بممثل يشاركه نفس الصفات ويحلمون بالنجومية فيحصل المخرج على جائزة الديك الرومي الذهبي كأسوأ مخرج على الإطلاق بكل سعادة ، ولك أن تتخيل أيضا أن له شعبية كبيرة جداً بعد وفاته ممن يصنعون المحتوى الكوميدي من أعماله الفاشلة ( طقطقه يوتيوبر ) ونبحر قليلا لتوضع أعماله في الكليات كأغبى أخطاء تقنية و إخراجية للطلاب كي لا يكونوا أُضحوكة للآخرين ويدرج أسم جديد في الكلية بجانب إد ( الاسم عندي جاهز ) .
الكاتب رودولف غراي إستعرض سيرة المخرج إد في كتاب بعنوان ( كابوس النشوة ) حياة وفن إد وود في عام ١٩٩٢ م ( كأني ارى نسخة إد العربية ) يستعرض المؤلف أعمال إد ويعيد النظر في حياته وفي أعماله وكيف كان حبه الصادق للسينما والإخراج والإنتاج ايضا رغم الفشل الذي لم يمسه نجاح قط ، تخيل معي عزيزي القارئ أن المنتج تيم بورتون أنتج فيلما سينمائيا عن حياة المخرج إدوارد وحاز على الاوسكار مرتين !! يذكر المؤلف ان المخرج إد الفاشل عمل كدليل سينمائي في مجمع سينمائي وكذلك غنى وعزف واصيب في ساقه اثر فترة التجنيد في معسكرات الجيش ( الشخصية ربما تملك نفس الصفات ) جعلته يدخل في عرض للمسوخ في ذلك الوقت ، لعب ادوار السيدة الملتحية والمهووس والمهرج مما تسبب له في حالة نفسية سيئة قادته الى تعاطي المخدرات وشرب الكحول( ما ينلام مسخروه) .
إنتقل إلى هوليود ١٩٧٤م ومن هنا إنطلق الفشل من عالم النجاح ( أدري إن الدنيا مقلوبة عنده) حيث بدأ في كتابة حلقات تلفزونية وإعلانات منخفضة التكاليف ( مثل ربعنا ) وأفلام غرب لم يذكرها أحد بل عرضت لمرة واحدة فقط ولم تعرض ثانية لأنها لا تناسب أي جيل من حجم السوء في الاختيار والتصوير وسأذكر منها للعضة والعبره ( أُسطورة فتى توسان ، رفقة عادية ،تقاطع طرق لاريدو ، ومنتقم كروسرود) (كأني أعرف اسماء شبيهة عربية ) ومن المميز جداً في صفات المخرج الفاشل إد أنه لا يكترث للنقاد وكأنه يصر على أعماله الفاشلة ويعتبرها مصدر تعلم ( صادق والله مصدر لا تصير مثله ) في عام ١٩٥٣ م إنطلق في عالم الفشل عندما عيّنَه المنتج جورج ويس لإنتاج فيلم بعنوان ( غيرت جنسي ) " شكله المنتج يطقطق عليه " وفعلا أَعتقد ذلك وأتحفظ على ذكر السبب وأترك لكم البحث لتعلم أن المنتج كان خبيثا جعل منه اضحوكة .كانت أعماله تفتقر الى المصداقية حيث أنه يصور بداية المشهد بالنهار ثم يستكمله بالليل ولا يعيد تصوير المشهد مهما كانت الأخطاء .
الخلاصة أعتقد من خلال إطلاعي المبسط والقريب نوعا ما إلى بعض الإنتاج المحلي لأشباه المسكين إد الحالم بالنجاح والشهرة والتي حصل عليها كأسوا مخرج عرفه التاريخ بالفشل المتكرر ، باعتقادي أن هناك فعلا شخصيات في الواقع شبيهة بالمخرج إد في إستمراره بالفشل وإصراره على ذلك وطرح أعمال فاشلة ومصدر للسخرية، يستحق مني أنا شخصيا جائزة الديك الرومي الذهبي لأفشل مخرج عرفه التاريخ بعد المخرج إد .
تعلم من أخطائك وطور من مهاراتك وارتقي بمهنتك وشغفك للوصول الى العالمية بنجاح وليس بفشل ( الله لا يحطك مكان إد )
عارف البحراني
١٣/٦/٢٠٢٢